أنواع البحوث العلمية: البحث الاستكشافي (Exploratory Research)
ذكرنا في مقال سابق أن البحث الاستكشافي هو نوع من أنواع البحوث العلمية التي تهدف إلى تكوين رؤية أولية حول مشكلة محددة تواجه الباحث؛ بحيث يمكن تحديد مدى الحاجة إلى بحوث إضافية في المستقبل. ويتمثل الهدف الرئيس من البحث الاستكشافي في تحديد المشكلة وتكوين الفروض. كما ذكرنا أن البحث الاستكشافي يمثل الخطوة الأولى من خطوات البحث العلمي؛ إذ أن الباحث يسعى إلى تحديد المشكلة بدقة، من خلال جمع البيانات ذات العلاقة بموضوع البحث. وفي هذا المقال سوف نتطرق إلى بعض التفاصيل الأكثر عمقا حول هذا النوع من البحوث العلمية.
ماهية البحث الاستكشافي
يمكن القول إن البحث الاستكشافي أو الاستطلاعي – كما يسمى أحيانا – هو بمثابة المرحلة الأولى أو الخطوة الأولى التي لا بد من تجاوزها للانطلاق في طريق البحث العلمي بصورة عامة، والانتقال إلى نوع آخر من البحوث العلمية لدراسة معمقة لظاهرة أو مشكلة ما؛ حيث أنه يسهم في جعل موضوع البحث أكثر وضوحا للباحث، كما أنه يتناول المشكلات التي لم يتم تحديدها بصورة واضحة من ذي قبل. وبالإضافة إلى ما تقدم، فإن البحث الاستكشافي يساعد في تحديد أفضل تصميم للبحث وطرق جمع البيانات ذات العلاقة بموضوع البحث.
أهداف البحث الاستكشافي
يسعى البحث الاستكشافي إلى تحقيق ما يلي:
- تشخيص المشكلة وتحديدها وتوضيح جميع أبعادها ومسبباتها. ومما يجدر ذكره أن البحوث الاستكشافية لا تقدم حلولا أو خيارات لحل المشكلة، وإنما تسعى إلى إلقاء الضوء على المشكلة ذاتها وتوضيح أبعادها ومسبباتها، بدون التطرق إلى وضع حلول لها، ويُترَك ذلك إلى البحوث التي سيتم إجراؤها لاحقا.
- صياغة الفروض. يسعى الباحث – من خلال البحث الاستكشافي – إلى تقديم فهم أولي لمشكلة البحث، ووضع أو صياغة الفروض التي من شأنها أن تفسر الظاهرة محل البحث، وبعد ذلك يمكن الانتقال إلى نوع آخر من البحوث التي تنطلق من نتائج البحث الاستكشافي، حيث يتم التوصل إلى الحلول الممكنة لمشكلة البحث. على سبيل المثال، إذا لاحظت منظمة معينة أن هناك تدني في مستوى جودة منتجاتها، وأرادت أن تتعرف على مسببات ذلك؛ حينئذ يمكن أن تقوم بتكليف باحث لدراسة هذه الظاهرة ووضع الفروض التي يمكن أن تكون وراء حدوث تلك المشكلة. ويقوم الباحث بوضع تصورات معينة بعد أن يقوم بفحص المشكلة محل البحث، وقد يتوصل إلى أن تدني مستوى الإنتاج قد يكون بسبب عدم مهارة العاملين، أو لتدني مستوى المواد الأولية، أو لاتباع أساليب غير مناسبة في الإنتاج وغير ذلك من الأسباب. وكما نلاحظ هنا فإن المطلوب من الباحث هو تحديد مسببات المشكلة (الفروض) فقط بدون الإتيان على اقتراح حلول لها، وإنما يترك ذلك إلى بحوث لاحقة.
مصادر بيانات البحث الاستكشافي
يمكن للباحث الاعتماد على عدة مصادر لجمع البيانات المتعلقة بالبحث الاستكشافي وهي:
المصادر الثانوية
تشير المصادر الثانوية إلى أي مصادر سابقة يمكن الرجوع إليها، مثل الكتب والمجلات والمواقع الإلكترونية والصحف والمنشورات الصادرة عن مؤسسات رسمية تنشر معلومات على شكل إحصائيات أو حقائق وأرقام؛ كعدد السكان واعمارهم وفئات دخلهم ومهنهم وغير ذلك. وتعد سجلات الشركات والمنظمات من ضمن المصادر الثانوية التي يمكن للباحثين الرجوع إليها عند إجراء البحث الاستكشافي. وتكمن الفائدة الرئيسة للمصادر الثانوية في أنها تشكل نقطة انطلاق للباحث نحو دراسة ظاهرة حالية بالاعتماد على حقائق تاريخية تتعلق بالظاهرة محل البحث، لتحديد مدى الحاجة إلى جمع المزيد من البيانات.
المقابلات المعمقة (In-depth Interview)
وهي المقابلات التي يقوم بها الباحث مع بعض الأفراد الذين يمتلكون معلومات دقيقة حول الظاهرة محل البحث؛ ففي حالة البحث في ظاهرة تدني مستوى الإنتاج مثلا، قد يحتاج الباحث إلى مقابلة بعض الأفراد من داخل المؤسسة كالمدير العام ومدير الإنتاج ومشرفي العمال، كما قد تكون هناك حاجة إلى مقابلة بعض الأفراد من خارج المؤسسة، كخبراء الإنتاج والتجار والمستهلكين. وتكمن الفائدة من إجراء المقابلات المعمقة في أنها تمكن الباحث من الحصول على معلومات دقيقة من مصادرها الموثوقة حول ظاهرة البحث.
دراسة الحالة (Case Study)
إن الهدف الرئيس من دراسة الحالة هو الوصول إلى علاقات وأفكار جديدة، ليُصار إلى اختبارها والتحقق من مدى صحتها عن طريق وضعها تحت الاختبار والدراسة التفصيلية لاحقاً من خلال بحوث استنتاجية. وتتم دراسة الحالة على عدد محدود من الحالات بُغيَة التوصل إلى نتائج معينة. ويعتمد الباحث هنا على البيانات التي تم جمعها عن طريق المصادر الثانوية والمقابلات المعمقة. ففي دراسة ظاهرة تدني مستوى الإنتاج يمكن للباحث أن يختار بعض الأفراد ويركز اهتمامه عليهم لجمع ما يحتاجه من معلومات تفصيلية.
وختاما، تتميز البحوث الاستكشافية بالمرونة والاعتماد على خبرة الباحث في الكشف عن العلاقات بين المتغيرات المرتبطة بالظاهرة محل البحث. ومن الناحية المقابلة، تعاني البحوث الاستكشافية من عدم قدرتها على تقديم إجابات محددة عن الأسئلة التي تدور في ذهن الباحث، وُيعزى ذلك إلى صغر حجم العينات المدروسة؛ الأمر الذي يؤدي إلى عدم القدرة على تعميم نتائج البحث على مجتمع الدراسة
ما العلاقة بين البحث الاستكشافي كنوع من أنواع البحوث العلمية، والمنهج الاستكشافي كأحد مناهج البحث في الدراسات الاستشرافية ؟
أرجوا الإيضاح للفائده