قصة بحث علمي إنتهت بكارثة!
هذه القصة قرأتها مؤخراً و تابعت أحداثها ووجدت أنها مما ينبغي طرحه و تداوله بين أوساط الباحثين لتعم الفائدة أولاً و لأخذ العظة و العبرة ثانياً.
بدأت القصة عام 1998 للميلاد بإحدى كليات الطب بلندن عندما نشر الباحث الجراح أندرو وايكفيلد (Andrew Wakefield) و زملاءه بحثهم الذي ادعوا فيه ان هناك علاقة بين لقاح الحصبة الثلاثي و مرض التوحد و ذلك بمجلة اللانست و هي إحدى المجلات الطبية العريقة. (1)
التقط الإعلام نتائج هذه الدراسة و بدأ بنشرها و تداولها و تأويلها مما تسبب في تخوف كثير من الاباء من تطعيم ابنائهم بهذا اللقاح. لم يتوقف الأمر عند هذا، بل تجاوزه إلى انخفاض أعداد الاطفال الذين تم تطعيمهم باللقاح مما تسبب لاحقاً بظهور الحصبة و انتشارها مرة أخرى في المملكة المتحدة عام 2008.
بدأ الباحثون في محاولة تأكيد ما توصل اليه وايكفيلد من خلال أبحاثهم و لكنهم و لعقد من الزمان و بعد إجراء عدد من البحوث لم يستطيعوا أن يثبتوا ما توصل اليه وايكفيلد، بل بدأوا يميلون الى أن العلاقة بين لقاح الحصبة و التوحد قد تكون غير صحيحة. استمر التخوف من اللقاح و بدأ الأمر يتسع ليؤثر على دول أخرى!
هنا تبنى الصحفي المميز بالسانداي تايمز (Sunday Times) براين ديير (Brian Deer) موضوع هذه العلاقة بين لقاح الحصبة و مرض التوحد و بدأ رحلته الطويلة و التي استمرت لسبع سنوات ليكشف لنا أسرار هذه الدراسة التي أرعبت الكثيرين!
تَتَبع ديير الاثنا عشر طفلاً الذين أُجريت عليهم الدراسة بعد معاناة طويلة في محاولة كسر الغموض و السرية التي أحاطت بالمعلومات التي تخص هؤلاء الأطفال و تمكن أخيراً من الحصول على أسماءهم و معرفة عناوينهم و قام بمقابلتهم و سؤالهم عن الدراسة التي أُجريت عليهم و هنا بدأت أسرار الدراسة تتكشف!
اتضح لبراين ديير أن الدراسة كانت فعلاً مليئة بالمغالطات و أن جميع الاطفال الذين شملتهم الدراسة لم تنطبق عليهم بالكامل ما ذكره وايكفيلد في بحثه. و في الثاني و العشرين من فبراير من عام 2004، بدأ ديير بنشر ما توصل اليه من خلال مقاله في السانداي تايمز بعنوان (كشف لغز بحث لقاح الحصبة الثلاثي). (2)
كشف ديير في مقاله أن البحث لم يخلو من التدليس و الممارسات الخاطئة و غير الاخلاقية مع الاطفال الذين شملتهم الدراسة، و على اثر هذا بدأ المجلس الطبي العام بالمملكة المتحدة في التحقيق بالموضوع و هناك تكشفت كثير من الحقائق.
استمرت تحقيقات المجلس الطبي لمدة سنتين و نصف و كانت هي الأطول في تاريخ المجلس و التي انتهت عام 2010 بإدانة وايكفيلد بالاحتيال و عدم المسؤولية مما استدعي المجلس لسحب و الغاء سجله من المجلس كطبيب و على إثر ذلك قامت مجلة اللانست بسحب بحثه و إلغاءه. (3)، كما قامت المجلة الطبية البريطانية بنشر مجموعة من المقالات التي كشفت الموضوع بجميع تفاصيله و أعادت الثقة مرة أخرى في سلامة استخدام لقاح الحصبة الثلاثي. (4-9)
رغم كل هذا استمر ويكفيلد بإنكار كل شيء بينما تم تكريم براين ديير كصحفي متميز لعام 2011 تقديراً لجهوده الرائعة في كشف الحقيقة.
البحث العلمي أمانة و مسؤولية سنُسأل عنها يوماً ما، إن لم يكن في الدنيا فحتماً في الآخرة. ستواجهك كباحث كثير من الصعوبات و المشكلات المتعلقه بأبحاثك و التي يمكن تجاوزها و التخلص منها بشيئ من الكذب أو على الأقل عدم الوضوح، و هذا بحد ذاته نوع من التزوير و تضييع الآمانة العلمية كما أنه نوع من كتمان العلم الذي قد يؤثر مستقبلاً على الباحثين و صانعي القرار بشكل سلبي مما قد يجعلهم يتخذون قرارات خاطئة، بناءاً على أبحاث كان يعتقد انها صادقة! فتبوء بإثم أبحاثك و ما قد ينتج عنها من تضليل و خلل.
ينبغي على الباحث مراعاة أخلاقيات البحث العلمي و أمانة النقل و التطبيق و التوثيق و لنعلم جميعاً أن من غشنا فليس منا.
- Wakefield AJ Murch SH, Anthony A, Linnell, Casson DM, Malik M, et al. Ileal lymphoid nodular hyperplasia, nonspecific colitis, and pervasive developmental disorder in children. Lancet. 1998;351:637-41.
- B. Deer. Revealed: MMR research scandal. Sunday Times. 2004 February 22.
- Retraction–Ileal-lymphoid-nodular hyperplasia, non-specific colitis, and pervasive developmental disorder in children. Lancet. 2010 Feb 6;375(9713):445.
- Deer B. How the case against the MMR vaccine was fixed. BMJ. 2011;342:c5347.
- Deer B. Secrets of the MMR scare . How the vaccine crisis was meant to make money. BMJ. 2011;342:c5258.
- Deer B. Secrets of the MMR scare. The Lancet’s two days to bury bad news. BMJ. 2011;342:c7001.
- Godlee F., Smith J., Marcovitch H. Wakefield’s article linking MMR vaccine and autism was fraudulent. BMJ. 2011;342:c7452.
- Hayes S. F. MMR scare: Piltdown–hoax or fraud? BMJ. 2011;342:d469.
- Hewitt M. MMR scare. Are the GMC, news media, and BMJ the right tribunals? BMJ. 2011;342:d812.
شكراً على المعلومات الجميله ووفقكم الله
قال تعالى(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون و (ص)قال
ان لله يحب اذا عمل احدكم عملا ان يتقن
بسم الله الرحمان الرحيم
قبل أعلق على المقال
بودي أن أشكر الأخ الكريم عبد الرحمان حريري على موقعه المتميز شكلا ومضمونا
عودة إلى المقال، أنا أعتقد أن الأمانة العلمية غائبة في الجامعات العربية ذلك أن الباحث في هذه الجامعات قد يضطرإلى تزوير بعض الحقائق لاكمال بحثه وإلا فانه سيفصل من الدراسة فيصبح جهده الذي بذله لسنين يذهب أدراج الرياح والسبب في تأخره ليس الطالب وإنما نظام التعليم الجامعي بكل ما تحمله هذه الكلملة من معني، هذا رأيي والله أعلم مارأيك ياأستاذ عبد الرحمان سلام
اصابتني الدهشة !!
ماادري فين راح ضمير هذا الدكتور !!
وياكثر امثاله في دولتنا الحبيبة والله
مااقول نبي راقابة عليهم لكن هم من نفسهم يراقبوا نفسهم
شكرا يادكتور استفدت من القصة والتي زادت من نسبة المسؤولية والصدق لدي وان شاء الله كلنا نكون صادقين ونبتعد عن الكذب والغش وايضاً التزوير
شكراً
الزيف مهما طال بقاؤه لابد ان يتم اكتشافه لانه لا اصل له
السلام عليكم. ..فعلا موضوع الامانة والصدق في البحث العلمي في المجتمع العربي وبالذات في اوساط الجامعات يكون محور تساؤل ولان الطالب بسبب ضيق الوقت وحوجته للتخرج يضطر الي تكملة بحثه باي شكل مما يؤثر علي الصدق والامانة العلمية فيه…نتمني ان يكون هناك مزيد من الاهتمام ويعطيكم الف عافية
الأمانة والصدق مهمه كبيرة على عاتق الباحث العلمي
جزاكم الله خيرا
لقد كان نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه علامة وقرة تاج هذه الدنيا مثالا يحتذى به فى الصدق والامانه ولقد نفى عليه الصلاة والسلام الايمان عمن اتسم بالكذب
ومن هنا يأتي دورالتربية الإسلامية في معالجة تلك القضايا المرتبطة بالبحث العلمي فالباحث المسلم يجب عليه القيام بحق الله تعالى وتعاليمه حتى يتقبل الله عمله ويجزيه عليه ، ويستشعر عظم المسؤولية تجاه الله ثم مجتمعه في البحث عن الحقيقة والبعد عن الزيف والخداع.
فعلا العلم امانه
السلام عليكم
المعلومات المتعلقة بالتوايخ بالقصة المذكورة تحتاج مراجعة فالبحث كما تذكر القصة صدر عام 1998 وبعدها يذكر أنه بعد عقد من الزمان ومن الابحاث المتواصلة؛ تبنى صحفي القضية على مدى سبع سنوات أعلن بعدها في عام 2004 غموض القضية…… هل اتضح ما اقصدة من مراجعة التواريخ الاحداث.
ختاماً شكرا على الاجتهاد والقصة هادفة.