على إفتراض أنك باحث أو مهتم بالبحث العلمي، لابد أنك وصلت لمرحلة من النضوج تُدرك فيها جيدًا بأن المشاكل جزء من حياتنا ولها دور كبير في صقل شخصياتنا واكسابنا التجارب المتنوعة.
مع ذلك، يحدث كثيرًا أن ننسى ذلك، وفي مرحلة الدكتوراة (والماجستير أيضًا)، قد يتسبب وجود واستمرار المشاكل دون إيجاد حل لها إلى ضغط نفسي كبير على الباحث. والأسوأ من سوء الحالة النفسية هو اعتقاد الباحث بأنه الوحيد الذي يواجه مثل هذه الصعوبات، وبأنه ليس بكفء ولذلك تظهر له هذه المشاكل من كل مكان في حين أنه يعتقد بأن زملاؤه الآخرين من الباحثين يعيشون في رغد وسعادة.
في هذه المقالة، أناقش بعض المشاكل التي غالبًا مايواجهها الباحثين (دكتوراة، ماجستير، الخ…). أتطرّق وأناقش هذه المشاكل لسببين أساسيين:
- للتوضيح للباحثين والطلاب بأن هذه المشاكل موجودة ومنتشرة بكثرة. واجهت بعضها شخصيًا وواجهها ويواجهها الكثيرون.
- أنت ليس فيك أي خلل أو نقص! فلا تنتقص من نفسك أو تثبط من عزيمتك من دون أن تدري لأن هذا لن يؤدي لحل المشكلة بل قد يؤدي لتفاقمها والتأثير على نفسيتك بشكل سلبي.
بداية، وقبل مناقشة المشاكل دعني أقول بأنه من الضروري أن تكون إيجابيًا وأن تحكّم عقلك في ما قد تواجهه من عقبات لتتمكن من اتخاذ القرار المناسب. من المهم أن يكون هدفك دومًا حلّ المشكلة التي تواجهها في أقرب فرصة، لتقليل أثرها السلبي على حياتك أو رحلتك العلمية، ويكون ذلك بالتحدث إلى زملائك، مشرفك الأكاديمي، أو أي جهة توفر الدعم والمساندة في الجامعة.
إذا كنت تواجه أو واجهت أي صعوبات/مشاكل أثناء رحلة البحث العلمي، شاركنا بتجربتك وأي نصائح تقترحها من خلال المساحة المخصصة للتعليقات. ولا تنسى مشاركة المقالة مع زملائك من الباحثين ليكونوا على علم ببعض المشاكل التي قد يواجهونها.
دعنا نناقش الآن بعض هذه المشاكل الأكثر انتشارًا من وجهة نظري الشخصية وأيضًا بناءً على خبرات عدد من المشرفين الأكاديميين ممن أعرفهم شخصيًا أو غيرهم.
١) مشاكل المشرف الأكاديمي (أو المشرفين)
دائمًا ماأقول بأنه ليس هناك أي عذر لعدم اختيار المشرف الأكاديمي المناسب أو على الأقل إعطاء هذا القرار الكثير من الوقت وعمل البحث اللازم للتحقق من جودته وأسلوبه وغيرها…
الخطوة الأولى لتجنب المشاكل مع المشرف الأكاديمي هي اختيار مشرف أكاديمي مناسب من الأساس! وقد سبق وأن نشرت كورس مفصّل كامل عن اختيار المشرف الأكاديمي والتعامل معه وأنصح كل باحث بضرورة الاطلاع عليه كاملاً قبل اختيار المشرف الأكاديمي. هذا الكورس حرصت على طرحه مبكرًا لكثرة التساؤلات والمشاكل حول هذه الجزئية بالذات.
المشرف الأكاديمي المميّز والذي لديه خبرة كافية لن يسمح لاختلاف وجهات النظر بأن تتحول لمشاكل تحول دون تقدّم المشروع. بالإضافة لذلك، سيكون متوفرًا لدعمك ومساندتك في كل وقت، وغالبًا ماستجده يوجهّك ويحاول حل المشكلات معك.
هناك عدة مشاكل قد تظهر نتيجة لعدم اختيار المشرف الأكاديمي المناسب أو بسبب افتقار أحد الطرفين لبعض الأساسيات/التصرفات/الأخلاقيات اللازمة لنمو واستمرار العلاقة بشكل إيجابي. من هذه المشاكل:
١.١ سوء التواصل
سوء التواصل بين الطرفين أحد أهم الأسباب الرئيسية للكثير من المشاكل التي قد تحدث بين الباحث والمشرف الأكاديمي.
الاتفاق على الأشياء المتوقعة من الطرفين مبكرًا وآلية الإشراف وطريقة العمل التي يفضلها الطرفين جميعها أشياء أساسية تؤسس لعلاقة سليمة بين الباحث والمشرف الأكاديمي. ناقشت هذه العناصر وأهميتها في كورس اختيار المشرف الأكاديمي والتعامل معه.
سواءً كان هنالك اتفاق مُسبق من عدمه حول توقعات الطرفين من الطرف الآخر، قد يحدث وتنشأ بعض الاختلافات بسبب سوء التواصل أو عدم فهم أحد الطرفين لمايقصده الطرف الآخر، خصوصًا إذا ماكان الباحث يتحدث بلغة غير لغته الأم.
في جميع الأحوال، حاول دومًا التواصل مع مشرفك الأكاديمي وأبلغه إذا ماكنت تواجه أي صعوبات في الفهم أو مشاكل ما قد تحتاج لمساعدته فيها. لا تترك المجال لسوء الظن واحرص على توضيح وجهات نظرك المختلفة بطريقة علمية منطقية ولا تتهجم عليه أبدًا أو على وجهات نظره بل أبلغه بأنك ستأخذ وجهات النظر الخاصة به وتدرسها وتبحث فيها وتناقشها في ضوء مالديك من مصادر علمية.
١.٢ غياب المشرف الأكاديمي
غالبًا مايكون لدى المشرف الأكاديمي العديد من المسؤوليات كالتدريس، البحث العلمي، الأمور الإدارية التي قد تُسند إليه، وغيرها. هذا قد يبقيه مشغولاً عنك أحيانًا لكن ليس بعذر لتكرر غياباته والتأخر في الرد عليك دومًا لأن ذلك من شأنه أن يعطل تقدمك كباحث خصوصًا إذا كنت في حاجة للتوجيه للاستمرار (كأن يكون هنالك قرر يحدد توجه بحثك العلمي).
إذا وجدت أن مشرفك الأكاديمي مشغول عنك باستمرار، حاول مناقشته في مدى إمكانية عمل اجتماعات عن بعد (سكايب Skype) حتى ولو في الفترة المسائية، وقد يرحّب بذلك. أظهر له أنك في حاجة له ولخبرته للتقدم في بحثك العلمي وأنك ممتن له إذا ما حدد معك موعدًا شهريًا أو كل أسبوعين مثلاً للنقاش والتحاور معك.
مالاحظته في كثير من الأحيان أن المشرف الأكاديمي قد لا يكون ملمًا وواعيًا بتقصيره مع الباحث، وإذا ماحدث ووضّح له الباحث ذلك بطريقة غير مباشرة وطلب مساعدته، غالبًا مايعتذر المشرف ويحرص على وضع آلية أو الاتفاق مع الباحث على مواعيد للاجتماعات المقبلة.
١.٣ المشرف الأكاديمي…الذي يختفي فجأة!
كما هو موضّح في النقطة السابقة أعلاه، من الطبيعي أن ينشغل المشرف الأكاديمي بسبب التزاماته، لكن، من المفترض أن لا يؤثر ذلك على الباحثين أو الطلاب الذين يعملون معه. المشرف الأكاديمي المميّز يُبلغ الطلاب أو الباحثين الذين يشرف عليهم في حالة كانت هنالك فترات لن يكون متوفرًا فيها لسفر، إجازة، عمل، أو غيرها. أحيانًا، قد يبلغهم أيضًا بأنه مستعد للعمل عن بعد والاجتماع معهم أيضًا، وهذا يعطي انطباع بأنه حريص عليهم بلا شك.
في المقابل، تجد في بعض الأحيان مشرفين أكاديميين لا يكترثون بك وبما تقوم به من عمل، وأذكر هنا على عجالة مشرفي الأكاديمي في مرحلة الماجستير والذي وجدته قد اختفى قبل تسليمي للرسالة ولم يكلّف نفسه إبلاغي مبكرًا بذلك لأتمكن من تجهيز مايحتاج لمراجعة قبل ذهابه في إجازه.
١.٤ المشرف الأكاديمي…الذي وجوده كعدمه
واستمرارًا للمشرف الأكاديمي الذي يختفي…نجد أيضًا المشرف الأكاديمي الذي ليس من وجوده أي قيمة حقيقية تُذكر، حيث أنه لا يستجيب لاستفسارات الطالب ولا يراجع معه ماأنجز ويوجهه ولا يكلف نفسه تخصيص بعض الوقت للباحث الذي يشرف عليه. وفي الاجتماعات (التي قد تحدث كل ٣ أشهر مثلاً لأنه لا يكترث) قد تجده يرمي بعض التعليقات العامة (والمتكررة) ويظهر للباحث بأن المشرف الأكاديمي لم يكلف نفسه الاطلاع على العمل بعد، أو أنه راجع صفحتين من أصل ٤٠ صفحة ثم قرر بأن ذلك يكفي.
١.٥ المشرف الأكاديمي يفرض وجهة نظره بالقوة
من الطبيعي أن تكون حصيلة المشرف الأكاديمي العلمية في مجال البحث أعلى منك خصوصًا إذا كان متخصصًا في نفس الجزئية التي ترغب في البحث فيها. مع ذلك:
مشرفك الأكاديمي من مهامه مناقشتك وتحدّي بعض النقاط التي تطرحها أو وجهات النظر التي تتبناها أنت كباحث للتأكد من وجود سبب منطقي أو دليل علمي لتبنيك لوجهة نظر دون أخرى. ليس من مهام المشرف الأكاديمي أبدًا اتخاذ القرارات عنك فيما يتعلق ببحثك العلمي أو فرض وجهات نظره بالقوة، فهو مشروعك (و هي سفينتك).
١.٦ المراقب المهووس…
بعض المشرفين الأكاديميين لديهم سلبية مزعجة وهي مراقبتك باستمرار والتواصل معك باستمرار للتأكد من أنك في المكتب وتعمل باستمرار ومثل هذه التصرفات قد تؤثر على انتاجيتك خصوصًا لو كان هنالك اجتماعات متكررة بشكل مبالغ فيه وأنت لم تكن لديك الفرصة بعد للعمل! زيادة الاجتماعات عن حدها والاجتماع لأجل الاجتماع فقط يقلل من الإنتاجية بشكل كبير.
قد يحدث مثل هذا التصرف من المشرف لأحد الأسباب التالية:
- المشرف ليس لديه خبرة كافية بالإشراف، وبالتالي، لديه حرص مبالغ فيه.
- المشرف مهووس بالتحكم ويحب أن يشعر بأنه يتحكم في كل شئ!
مثل هؤلاء قد تكون أنسب طريقة في التعامل معهم هي الاعتذار بدملوماسية منهم في حالة كان هنالك طلب للاجتماعات بشكل متكرر وإبلاغ المشرف الأكاديمي بأنك تفضّل الاجتماع مرة في الأسبوع فقط لتتمكن من تجهيز شئ كافي وفيه القيمة يمكن مناقشته في الاجتماع.
من الطرق الأخرى التي يمكن للباحث اتباعها للابتعاد قليلاً عن المراقب (وليس المشرف الأكاديمي) هو العمل من مكتبة الجامعة مثلاً بحيث يكون الباحث بعيدًا عن أعين “المراقب” بعض الشئ وهذا من شأنه أن يقلل من الضغط النفسي الذي قد يكون لدى الباحث ويعطيه مساحة من الحرية والتحرك.
مرحلة الدكتوراة تحتاج للكثير من التفكير والوحدة وكسر الروتين أحيانًا ولا أسوأ من مراقب أكاديمي مهووس بالتحكم أو ليس لديه الخبرة في الإشراف يعطِّل مثل هذه الأمور المهمة التي يحتاجها الباحث لإطلاق التفكير.
١.٧ المشرف الأكاديمي الذي يكلف الباحث بالمهام الفرعية
بعض الباحثين يعملون مع مشرف أكاديمي قد يكون قائد في فريق بحثي في مجال العمل، وبالتالي، بالإضافة للبحث العلمي الذي يعمل عليه كل باحث/طالب، يلزمهم المشرف الأكاديمي بمهام أخرى إضافية بحيث يساهموا في تحقيق الأهداف العامة للفريق أو الجهة ككل.
من الجميل والمفيد جدًا للباحث أن يعمل من ضمن فريق لأن ذلك يكسبه العديد من المهارات والخبرات وقد يختصر عليه الكثير من الوقت في اكتساب المعرفة/المهارات التي قد تساعده مستقبلاً. مع ذلك، من المهم أن يكون هنالك توازن بحيث يكون هنالك وقت كافي للباحث للعمل والتفرغ لبحثه العلمي الخاص به وأيضًا من الضروري أن يكون المشرف الأكاديمي متوفرًا لتوجيه كل باحث على حدة.
تناقشت مع بعض الباحثين ممّن أنهوا السنة الأولى وقاربوا لمنتصف السنة الثانية وهم لم يناقشوا بعد البحث العلمي الخاص بهم مع المشرف الأكاديمي، ذلك أن المشرف الأكاديمي قد أغرقهم بالمهام والأعمال الإضافية ونسي أن الهدف الأساسي من وجودهم هو العمل على مشروعهم البحثي الخاص بهم.
إذا ما كنت عضوًا من ضمن فريق مثل هذا، من الضروري أن تكون ملمًا وحريصًا على إيجاد تقدّم ملحوظ في بحثك. ويكون ذلك مثلاً بمناقشتك للمشرف الأكاديمي والتوضيح له بأن مشروعك البحثي يسلتزم اهتمامك وأنك في حاجة لتوجيهه لك في بحثك الأساسي، وهو الذي ستنال الدرجة عليه وليس الأبحاث الأخرى التي يعمل عليها الفريق ككل.
١.٨ المشرف الأكاديمي الأول والثاني لديهم وجهات نظر مختلفة
يحدث أحيانًا أن يكون لدى الباحث أكثر من مشرف أكاديمي، وقد يكون ذلك للحاجة لخبراء من أكثر من تخصص كون موضوع البحث يدخل في أكثر من مجال أو لأن القسم الذي يعمل فيه الباحث لديه نظام بضرورة وجود مشرفين أكاديميين لكل باحث بحيث يكون أحدهما متوفرًا في حال إنشغال الآخر.
من ناحية الفكرة، وجود مشرفين أكاديميين لدعم الباحث هو شئ جميل خصوصًا إذا كان المشرفين يجيدان الإشراف واتفقا مسبقًا على آلية الإشراف المشترك على الباحث وكيفية إدارة النقاش والاختلافات في وجهات النظر. لكن، مثل هذا الاتفاق لا يحدث دائمًا وقد يجد الباحث نفسه وسط خلافات واختلافات في وجهات النظر بين المشرفين!
في مثل هذه الحالات حاول ألا تختار طرف على الآخر وأن تستمع للطرفين وتتخذ القرار بمنطقية وفق مالديك من معطيات فالقرار في النهاية لك فأنت الباحث الرئيسي! أحيانًا في حال تجاوز الاختلافات الحد المعقول قد تحتاج إلى التواصل مع القسم العلمي وتطلب منهم إيجاد حل، وقد يمكنك حينها اختيار أحد الطرفين والذي تجده الأفضل والأنسب لك.
١.٩ تغيير المشرف الأكاديمي
في أسوأ الأحوال، قد تبوء كل محاولاتك للوصول لعلاقة إيجابية جيدة مع المشرف الأكاديمي بالفشل، وقد تصل لقناعة بأن المشرف الأكاديمي لا يقدِّم أي قيمة حقيقية لك في البحث العلمي.
ناقشت هذه الجزئية بشئ من التفصيل في كورس اختيار المشرف الأكاديمي، وبشكل مختصر، لابد أن تتخذ قرارك ولا تماطل في ترك المشكلة كما هي. تغييرك للمشرف الأكاديمي في السنة الأولى أفضل من تغييرك له في السنة الثانية أو الثالثة.
إذا مالمست بأن المشرف الأكاديمي لا يقِّدم أي قيمة وحاولت التواصل والتناقش معه وطلب مساعدته ولم تجد أي نتيجة، لديك خيارين في الغالب:
- اتخاذ القرار بتغيير المشرف الأكاديمي لمشرف آخر.
- الاعتماد على نفسك ومضاعفة جهدك لعدم وجود من يوجّهك في هذه المرحلة. قد يكون هذا القرار أبسط ويمكن اتخاذه في مرحلة الماجستير (لسهولتها نسبياً) عن اتخاذه كباحث في مرحلة الدكتوراة.
في جميع الأحوال، لن يتخذ هذا القرار أحد سواك فلا تتأخر في اتخاذه لكي لا تؤثر على تقدمك.
٢) فقدان الحماسة والروح المعنوية المنخفضة
تحتاج للكثير من الحماس والالتزام لتتمكن من تجاوز مرحلة الدكتوراة، لذلك، من الضروري جدًا أن تعمل على موضوع يهمك أو في مجال من مجالات اهتمامك. وكحال الكثير من الأشياء في حياتنا، سيكون هنالك ارتفاع وانخفاض في مستوى الحماسة والاهتمام الذي توليه لمشروعك.
حاول دومًا المحافظة على مستوى مناسب من الحماسة والاهتمام وإذا ماشعرت بالضجر من العمل على بحثك العلمي، قد يساعدك الابتعاد قليلاً والحصول على فترة من الراحة من حين لآخر.
بلاشك، جميع المشاكل المذكورة في هذه المقال ستؤثر أيضًا على مستوي الحماسة والاهتمام ببحثك، لذلك، أنصحك – كما ذكرت مسبقًا – بعدم إهمال أي مشكلة تواجهها والحرص على التعامل معها مباشرة، خصوصًآ أن بعض المشاكل قد تحتاج لوقت لتجاوزها (كالمشكلة التي واجهتها أنا وأناقشها في مشاكل الإجراءات أدناه).
٣) الإحساس بالضياع
الإحساس بالتيه والضياع احساس طبيعي جدًا خصوصًا في بدايات رحلتك البحثية. شخصيًا، لم أتجاوز الإحساس بالضياع أثناء تحضيري للدكتوراة إلا بعد قرابة السنتين وذلك بعد اتضاح معالم الطريق وتفاصيله وما أحتاج للقيام به لأتمكن من الوصول إلى نتائج جديدة تثري وتُضيف للمعرفة (Contributions to Knowledge) في مجال البحث، وهذا متطلب أساسي لتجاوز مرحلة الدكتوراة.
من الأسباب المنطقية جدًا لاحساسك بالضياع:
- عدم تحديد موضوع البحث: مثلاً قد تكون هنالك عدة مواضيع تتناقشها مع المشرف الأكاديمي ولم يتم الاتفاق بعد على الموضوع الذي يتم اختياره منها لأن الفجوات (Gaps) في مجالات هذه الموضوعات غير واضحة وهنالك حاجة للبحث أكثر في هذه المواضيع للتعرف على جدواها كمواضيع لبحث الدكتوراة.
- عدم تحديد مشكلة البحث أو فجوة البحث: حتى لو كان هنالك تحديد لموضوع البحث أو مجال البحث بشكل عام، هنالك حاجة لتحديد مشكلة البحث أو فجوة البحث الأساسية التي ستسعى لإثراء مجال البحث فيها بنتائج ومخرجات دراستك. في كثير من الأحيان، تحديد مشكلة/فجوة البحث يتطلب جهدًا إضافيًا وتركيزًا كثيرًا وهي عملية أصعب بكثير من مجرد تحديد مجال البحث العلمي أو موضوع البحث العلمي بشكل عام. أنصحك أيضًا بقراءة ٦ أسئلة تساعدك في اختيار سؤال بحث مميز، حيث أن تحديد سؤال أو أسئلة البحث بدقة ضروري لتقليل التشتت والوقت الضائع.
- مواجهة مشكلة تستلزم تغيير توجّه البحث العلمي: من الطبيعي جدًا أن يواجه الباحث مشكلة ما أثناء بحثه بحيث تستلزم تغيير توجهه الأساسي بشكل كلي أو جزئي. مدى احتمالية حدوث تغيير من عدمه وكون التغيير صغير (في نفس المجال ونفس المشكلة) أو كبير (كتغيير مجال البحث كاملاً) يعتمد بالدرجة الأولى على كمية الجهد الذي قام به الباحث في المراحل الأولى من بحثه للتأكد من استهداف مشكلة بحث حقيقية بشكل دقيق.
- الإحساس بأن المهمة صعبة: قد يكون سبب إحساسك بالضياع أو لتوقعك بأن المطلوب منك كباحث أكثر بكثير مما يمكنك تقديمه في الوضع الحالي. في حقيقة الأمر، الغالبية العظمى من الباحثين يواجهون الكثير من الصعوبات والشكوك في البداية، ولتجاوز هذه المشكلة، احرص على التعلم وتطوير نفسك ومهاراتك البحثية وتحديد روتين يومي للعمل بحيث يكون هنالك إنجاز يومي بشكل مستمر مهما كان ذلك الإنجاز صغيرًا.
٤) مشاكل الإجراءات والأنظمة الروتينية
قد يحدث وأن يكون مشرفك الأكاديمي رائع وكل أمور دراستك وبحثك العلمي تصير على مايرام إلى أن تظهر لك مشكلة من حيث لا تدري (لا أنت ولا مشرفك) بسبب بعض التغييرات في الأنظمة المتبعة داخل الجامعة وإستحداث إجراءات أو أنظمة جديدة. في الغالب، مثل هذه الإجراءات من المفترض أن تكون في مصلحة العمل والأطراف المختلفة إلا أنه في بعض الأحيان قد يتسبب إدخال مثل هذه التغييرات إلى وقوع بعض المشاكل سواءً لعدم وضوح مثل هذه الإجراءات أو كونها لم تختبر بعد.
من الأمور الأساسية المهمة والمتعارف عليها في البحث العلمي موضوع الأخلاقيات والآداب العلمية وضرورة الالتزام بها من قبل الباحث. في كثير من الأحيان، الالتزام بمثل هذه الأسس يكون ضمنيًا، بمعنى، يكون هنالك اتفاق مابين المشرف الأكاديمي والباحث على الكيفية التي سيتم من خلالها الالتزام بالأخلاقيات العلمية. مع ذلك، بعض الجامعات بدأت في وضع إجراءات روتينية لضمان التزام الباحثين بالأخلاقيات العلمية في دراساتهم العلمية، خصوصًا بعد ظهور بعض المشاكل في عدم التزام بعض الباحثين بأخلاقيات البحث العلمي. بالتالي، لحماية الجامعات والمجتمع، أصبح هنالك إجراءات روتينية لفحص ومراجعة والتدقيق في الأبحاث قبل السماح لها بجمع البيانات أو إجراء التجارب على البشر.
مثل هذه الإجراءات في حين أن الهدف منها إيجابي، إلا أنها يمكنها أن تُعطّل سير العمل بشكل كبير، خصوصًا إذا كانت اللجنة المسؤولة عن مراجعة تصميم البحث واستراتيجيته وطرق جمع البيانات غير متخصصة في نفس مجال البحث العلمي الذي يعمل فيه الباحث. في مثل هذه الحالات، لا خيار أمامك إلا لمناقشة هؤلاء وتبرير وجهات نظرك وربما في أسوأ الأحوال طلب المساعدة من مشرفك الأكاديمي والجهات الأخرى في الجامعة خصوصًا إذا أصبح هنالك تجاوز في صلاحيات اللجنة المسؤولة وأصبحت تتدخل في خصوصيات بحثك والاختيارات التي قمت بها أنت من ناحية تصميم واستراتيجية البحث وغيرها.
هذا بالضبط ماحدث معي أثناء تحضيري للدكتوراة في جامعة واريك، فرغم أنها جامعة قوية ومعروفة إلا أنهم أهملوا توضيح الإجراء الجديد المتعلق بالأخلاقيات ولم يقوموا باختباره بل تم تطبيقه وتعميمه دون التأكد من جودته وكانت النتيجة تأخير وتعطيل للكثير من الأبحاث والباحثين لشهور عديدة لعدم تخصص اللجنة ولعدم وضوح صلاحياتها مما جعلها تتدخل في كل شئ ليس فقط في اختصاص عملها.
حاول أن تكون على إطلاع دائم بالأنظمة والاجراءات المتعلقة ببحثك ودراستك.
٥) ترك مرحلة الدكتوراة والتوقف
الدكتوراة هي لك أنت، وليس لإرضاء شخص آخر (كالوالدين مثلاً)، أو لإرضاء المجتمع والمفاخرة بها. بالتالي، إذا حدث وأن وجدت أن الدكتوراة لا تناسبك أو وجدت أن هنالك خيارات أخرى أفضل، ليس هنالك أي خطأ أو عيب في التوقف عنها وتركيز جهودك ووقتك في ماينفعك، بدلاً من خوض رحلة تتطلب من وقتك وتركيزك قرابة الثلاث إلى أربع سنوات، من السهل جدًا أن تتحول فيها الدكتوراة إلى كابوس مزعج!
أخيرًا…
أكاد أجزم بأن المثابرة والإصرار من أهم الصفات الشخصية التي تساهم مرحلة الدكتوراة في صقلها وتنميتها. وكما قال أحد الزملاء: “الدكتوراة عذاب نفسي” في بعض الأحيان، ومن المهم جدًا التركيز على المشاكل وإيجاد الحلول لها في أقرب فرصة لكي لاتتفاقم وتتراكم.
الإيجابية بشكل عام لها دور أساسي في الحفاظ على حماستك وتقدّمك. كن إيجابيًا دومًا وذلك سينعكس على حالتك النفسية. اجعل ثقتك في ربنا واعلم بأنه في الكثير من الأحيان قد تتعطل أمورنا أو نواجه الصعوبات والمشاكل لخير لا نعلمه. توكل على الله دومًا وخذ بالأسباب.
هل سبق وشاركت في مؤتمر؟
شاركنا في المساحة المخصصة أدناه...