تصميم استراتيجية ملائمة للدراسة أو البحث العلمي عملية صعبة نوعًا ما من الممكن أن تزداد صعوبتها بشكل كبير إذا ما قرر الباحث استخدام البحث المندمج (Mixed Methods) كون هذه الاستراتيجية أو الطريقة معقدة في الأساس لاحتوائها على أكثر من مرحلة وأسلوب أو كثر لجمع البيانات.
هذا وبالرغم من ظهور العديد من استراتيجيات البحث المندمج نظرًا لتعدد استخدامات استراتيجية البحث المندمج، يمكن القول بأن هنالك اعتبارات أو أسس مشتركة يمكن للباحث الانطلاق منها إذا ما أراد تصميم استراتيجية مناسبة للدراسة أو البحث العلمي. نستعرض في هذه المقالة أربعة اعتبارات أساسية ننصح الباحثين المهتمين بالانطلاق منها لتصميم استراتيجية البحث المندمج الملائمة لاحتياجاتهم.
لا يمكن القول بالضرورة بأن كل دراسة أو بحث علمي تناسبه استراتيجية واحدة فقط من استراتيجيات البحث المندمج نظرًا لتنوعها واختلاف استخداماتها واختلاف وجهات النظر بين مستخدميها والمؤلفين في هذا المجال، إلا أنه يفضّل التفكير مليًا قبل اختيار الاستراتيجية لتقليل الوقت الضائع واحتمالية الخطأ والبدء من أنسب وأقصر الطرق!
١) تصاميم البحث المندمج من الممكن أن تكون ثابتة (Fixed) أو مرنة/لاحقة (Emergent)
قبل الخوض في المزيد من التفاصيل حول التصاميم المختلفة و المعايير ذات العلاقة بتصميم البحث المندمج، من المهم الإشارة إلى أن تصميم البحث المندمج من الممكن أن يقرره و يجهزه الباحث بشكل كامل قبل البدء في الدراسة أو البحث العلمي، و في هذه الحالة، يضع الباحث خطته الكاملة ثم ينفذ مختلف مراحلها. في هذه الحالة، يكون التصميم الخاص بالدراسة ثابت لا يتغير أو يتأثر بنتائج أي من المراحل التي يمر بها الباحث في الدراسة أو البحث العلمي.
في حالة أخرى، قد يكون لدى الباحث تصوّر واضح حول المرحلة الأولى من دراسته لكن ليس لديه إلمام بعد بأفضل استراتيجية يمكنه اختيارها وتطبيقها في المراحل اللاحقة في دراسته أو أن المراحل اللاحقة ستتأثر بالإجابات التي سيحصل عليها الباحث في المرحلة الأولى ويقوم بتحليلها. لذلك، في هذه الحالة، نجد أن القرار غير واضح بعد فيما يتعلق بالمراحل المختلفة اللاحقة في تصميم البحث المندمج وقد تعتمد بشكل كبير على ما سينتج عن المرحلة الأولى في الدراسة أو ماسيخوضه الباحث من تجربة.
٢) تحديد الطريقة الملائمة للتفكير لاختيار تصميم البحث المندمج
تتعدد الآراء والتفسيرات فيما يتعلق بالطريقة التي من الممكن أن يتبعها الباحث لاختيار تصميم البحث المندمج المناسب لدراسته. بشكل عام، هنالك طريقتين يمكن اتباعها لاختيار تصميم المناسب، وينصح الباحث بالتعرف عليها واختيار الأنسب في نظره.
- باستخدام التصنيف (Typology-based approach): تعتمد هذه الطريقة على تصنيف تصاميم البحث المندمج ومدى ملائمتها للدراسة والغرض منها والأسئلة الخاصة بالدراسة. هذه الطريقة لاختيار تصميم البحث المندمج هي الأكثر شيوعًا وانتشارًا في المراجع المختلفة الخاصة بالبحث المندمج وأدى انتشارها واستخدامها لظهور العديد من المنهجيات والدراسات التي سعت لتصنيف تصاميم واستراتيجيات البحث المندمج حسب المجالات ومبررات استخدام استراتيجيات البحث المندمج المختلفة داخل كل مجال.
- الطرق الديناميكية (Dynamic approaches): على خلاف الطريقة الأولى والتي تقوم بتصنيف التصاميم حسب المجالات والاستخدامات العامة، تتبنى هذه الطريقة للتفكير في تصاميم البحث المندمج نهجًا منظمًا (Systematic Approach) يتم من خلاله دراسة عدد من المتغيرات في الدراسة والتي ينظر لها كمتغيرات متداخلة وبعد ذلك يتم التوصل لتصميم البحث المندمج المناسب. من المتغيرات التي يتم دراستها على سبيل المثال وهي مختلفة حسب المنهج المتبع:
- غرض الدراسة.
- الإطار النظري.
- أسئلة البحث.
- الأساليب واعتبارات الصدق (Validity).
أنصح الباحث المبتدئ بالاطلاع على استراتيجيات البحث المندمج التي تم تصنيفها (الطريقة الأولى Typology-based) في الكتب المتخصصة في البحث المندمج ومن ثم بحث مدى ملائمتها للدراسة.
٣) مطابقة تصميم البحث مع مشكلة البحث، الهدف من الدراسة، وأسئلة البحث
الهدف الأساسي من اختيار تصميم البحث في البحث العلمي بشكل عام هو الإجابة على أسئلة البحث وتحقيق أحد أو جميع أغراض البحث باستخدام الاستراتيجية المناسبة حسب الدراسة، المشكلة، ظروف الباحث ومايفضله، وغيرها من عوامل.
أحد العوامل المشتركة بين استراتيجيات أو تصاميم البحث المندمج المختلفة هي أنها تتمحور حول العوامل الأساسية التي تقود أو توجّه الدراسة: مشكلة الدراسة، الغرض من الدراسة، وأسئلة البحث. هنالك اتفاق بين العديد من الباحثين والمؤلفين حول أهمية هذه العوامل ودورها الأساسي في اختيار تصميم البحث المناسب. بالتالي، على الباحثين صياغة هذه العوامل الأساسية بشكل دقيق قبل المضي لمرحلة اختيار تصميم البحث ومن ثم التحقق من اختيار تصميم البحث الملائم لها. في بعض الأحيان، قد يكون هنالك حاجة لإعادة صياغة بعض هذه العوامل (كإعادة صياغة سؤال البحث أو أحد الأسئلة الفرعية) بشكل بسيط لتتوائم مع تصميم البحث المندمج الذي تم تحديده. أما إذا كانت إعادة الصياغة فيها تغييرات جوهرية، على الباحث الحذر فقد لا يكون التصميم الذي تم اختياره مناسبًا بعد التعديل!
٤) توضيح أسباب اختيار تصميم البحث المندمج
الدمج مابين أكثر من طريقة من طرق جمع البيانات عملية صعبة ومعقدة من المفترض ألا يتم تنفيذها إلا عند وجود مبررات واضحة للقيام بذلك. قد تكون لا تكون كافة المبررات واضحة للباحث في المراحل الأولي من الدراسة، لكن على الأقل، من المهم وجود مبرر أو سبب واحد أساسي للقيام بذلك. العديد من المؤلفين في مجال البحث المندمج استعرضوا مبررات مختلفة يمكن للباحث الاستفادة منها بشكل عام في الوصول لتصميم البحث المناسب لدراسته. مع ذلك، كون هذا المجال حديث، قد تظهر مبررات أخرى حسب احتياجات الباحث وتنوع مجالات الأبحاث.
عند اختيار استراتيجية البحث العلمي وعند اتخاذ أي قرار مهم في الدراسة، لابد أن يقوم الباحث بالتوضيح والتبرير لاختياراته وقراراته خصوصًا المهم منها. فلا أسوأ عند اتخاذ قرار مهم في الدراسة من عدم توضيح المبررات والدعائم وراء هذا القرار، وفي حالة عدم وجود أي مصادر أو دعائم منشورة، يمكن توضيح ومناقشة آلية اتخاذ القرار بشكل منطقي لتكون واضحة للقارئين من باحثين وغيرهم.
البحث المندمج يُعتبر مجالاً جديدًا في البحث العلمي حتى اليوم وعدم تبرير الباحث لاختياراته وقراراته قد يكون أكبر خطأ من الممكن أن يرتكبه لأنه سيسمح بذلك للآخرين بالانتقاص من عمله وقراراته التي ربما اتخذها بشكل عشوائي دون علم أو معرفة، فهو لم يوضحها! ذكرت في مقال سابق بعض مبررات استخدام تصميم البحث المندمج والتي يمكن الاستفادة منها والمبررات تختلف باختلاف مجالات البحث، الدراسة، الغرض من الدراسة، وأسئلة البحث.
هذه هي بعض الاعتبارات المهم الانتباه لها ومعرفتها قبل اختيار تصميم البحث المندمج، نتمنى أن تأخذها في الحسبان في دراستك العلمية القادمة، إذا كان البحث المندمج مناسبًا لها!
Designing and Conducting Mixed Methods Research
أحدث التعليقات